فصل: خلع شلامش وولاية المنصور قلاون.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خلع شلامش وولاية المنصور قلاون.

أصل هذا السلطان قلاون من القفجاق ثم من قبيلة منهم يعرفون برج أعلى وقد مر ذكرهم وكان مولى لعلاء الدين اقسنقر الكابلي مولى الصالح نجم الدين أيوب فلما مات علاء الدين صار من موالى الصالح وكان من نفرتهم واستقامتهم ما قدمناه ثم قدم إلى مصر في دولة المظفر قطز مع الظاهر بيبرس ولما ملك الظاهر قربه واختصه وأصهر إليه ثم بايع لابنه السعيد من بعده ولما استوحش الأمراء من السعيد وخلعوه رغبوا من الأمير قلاون في الولاية عليهم كما قدمناه ونصب أخاه شلامش بن الظاهر فوافقه الأمراء على ذلك طواعية له واتصلت رغبتهم في ولايته مدة شهرين حتى أجابهم إلى ذلك فبايعوه في جمادى سنة ثمان وسبعين فقام بالأمر ورفع كثيرا من المكوس والظلامات وقسم الوظائف بين الأمراء وولى جماعة من مماليكه امرة الألوف وزادهم في الاقطاعات وأفرج لوقته عن عز الدين ايبك الافرم الصالحي وولاه نائبا بمصر ثم استبقاه فأعفاه وولى مملوكه حسام الدين طرنطاي مكانه ومملوكه علم الدين سنجر الشجاعي رئاسة الدواوين وأقر الصاحب برهان الدين السنجاري في الوزارة ثم عزله بفخر الدين إبراهيم بن لقمان وبعث عز الدين ايدمر الظاهري الذي كان اعتقله جمال الدين اقوش حين رجع بعساكر الشام عن السعيد بن الظاهر من بلبيس فجيء به مقيدا واعتقله والله تعالى ولى التوفيق.

.انتفاض السعيد بن الظاهر بالكرك ووفاته وولاية أخيه خسرو مكانه.

ولما ملك السلطان قلاون شرع السعيد بالكرك وكاتب الأمراء بمصر والشام في الانتقاض وخاطبه السلطان بالعتاب على نقض العهد فلم يستعتب وبعث عساكره مع حسام الدين لاشين الجامدار إلى الشويك فاستولى عليها فبعث السلطان نور الدين ببليك الايدمري في العساكر فارتدها في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وقارن ذلك وفاة السعيد بالكرك واجتمع الأمراء الذين بها ومقدمهم نائبه ايدكين الفخري وقال ايدكين أن نائبه كان ايدغري الحراني فنصبوا أخاه خسرو ولقبوه المسعود نجم الدين واستولى الموالي على رأيه وأفاضوا المال من غير تقدير ولا حساب حتى أنفقوا ما كان بالكرك من الذخيرة التي ادخرها الملك الظاهر وبعض أمراء الشام في الخلاف وبعثوا العساكر فاستولوا على الصليب وحاصروا صرخد فامتنعت وكاتبوا سنقر الاشقر المتظاهر على الخلاف فبعث السلطان ايبك الافرم في العساكر لحصار الكرك فحاصرها وضيق عليها ثم سأل المسعود في الصلح على ما كان الناصر داود بن المعظم فأجابه السلطان قلاون وعقد له ذلك ثم انتقض ثانية ونزع عنه نائبه علاء الدين ايدغري الحراني ونزع عنه إلى السلطان فصدق ما نقل عنه من ذلك ثم بعث السلطان سنة خمس وثمانين نائبه حسام الدين طرنطاي في العساكر لحصار الكرك فحاصروها واستنزل المسعود وأخاه شلامش منها على الأمان وملكها وجاء بهما إلى السلطان قلاون فأكرمهما وخلطهما بولده إلى أن توفي فغر بهما الاشرف إلى القسطنطينية.

.انتفاض سنقر الأشقر بدمشق وهزيمته ثم امتناعه بصهيون.

كان شمس الدين سنقر الاشقر لما استقر في نيابة دمشق أجمع الانتقاض والاستبداد وتسلم القلاع من الظاهرية وولى فيها وطالب المنصور قلاون دخول الشام باسرها من العريش إلى الفرات في ولايته وزعم أنه عاهده على ذلك وولى السلطان على قلعة دمشق مولاه حسام الدين لاشين الصغير سلحدار في ذي الحجة سنة ثمان وسبعين فنكر ذلك سنقر وانتقض ودعا لنفسه ثم بلغ خبر قلاون وجلوسه على التخت فدعا الأمراء وأشاع أن قلاون قتل واستحلفهم على منعته وحبس من امتنع من اليمين وتلقب الكامل وذلك في ذي الحجة من السنة وقبض على لاشين نائب القلعة وجهز سيف الدين إلى الممالك الشامية والقلاع للاستحلاف وولى في وزارة الشام مجد الدين إسماعيل بن كسيرات وسكن سنقر بالقلعة ثم بعث السلطان ايبك الأفرم بالعساكر إلى الكرك لما توفي السعيد صاحبها وانتهى إلى غزة واجتمع إليه ببليك الايدمري منقلبا من الشويك بعد فتحه فحذرهم سنقر الاشقر وخاطب الأفرم يتجنى على السلطان بأنه لم يفرده بولاية الشام وولى في قلعة دمشق وفي حلب وبعث الأفرم بالكتاب إلى السلطان قلاون فأجابه وتقدم إلى الأفرم أن يكاتبه بالعزل فيما فعله وارتكبه فلم يرجع عن شأنه وجمع العساكر من عمالات الشام واحتشد العربان وبعثهم مع قراسنقر المعري إلى غزة فلقيهم الأفرم وأصحابه وهزموهم وأسروا جماعة من أمرائهم وبعثوا بهم إلى السلطان قلاون فأطلقهم وخلع عليهم ولما وصلت العساكر مفلولة إلى دمشق عسكر سنقر الاشقر بالمرج وكاتب الأمراء بغزة يستميلهم وبعث السلطان العساكر بمصر مع علم الدين سنجر لاشين المنصوري وبدر الدين بكتاش الفخري السلحدار فساروا إلى دمشق فلقيهم الاشقر على الجسر بالكسرة فهزموه في صفر سنة تسع وسبعين وتقدموا إلى دمشق فملكوها وأطلق علم الدين سنجر لاشين المنصوري من الأعتقال وولاه نيابة دمشق وولى على القلعة سيف الدين سنجار المنصوري وكتب إلى السلطان بالفتح وسار سنقر إلى الرحبة فامتنع عليه نائبها فسار إلى عيسى بن مهنا ورجع عنه إلى الفل وكاتبوا ابغا ملك التتر واستحثو ملك الشام يستميلونه فلم يجب وبعث إليه العساكر فأجفلوا إلى صهيون وملكها سنقر وملك معها شيزر وبعث السلطان العساكر لحصار شيزر مع عز الدين الأفرم فحاصرها وجاءت الأخبار بزحف ابغا ملك التتر إلى الشام في مواعدة سنقر وابن مهنا واستدعى صغار صاحب بلاد الروم فيمن معه من المغل وأنه بعث بيدو ابن أخيه طرخان صاحب ماردين وصاحب سيس من ناحية أذربيجان وجاء هو على طريق الشام وفي مقدمته أخوه منكوتمر فلما تواترت الأخبار بذلك أفرج الأفرم عن حصار شيزر ودعا الاشقر إلى مدافعة عدو المسلمين فأجابه ورفع عن موالاة ابغا وسار من صهيون للاجتماع بعساكر المسلمين وجمع السلطان العساكر بمصر وسار إلى الشام واستخلف على مصر ابنه أبا الفتح عليا بعد أن ولاه عهده وقرأ كتابه بذلك على الناس وخرج لجمع العساكر في جمادى سنة تسع وسبعين وانتهى إلى غزة ووصل التتر إلى حلب وقد أجفل عنها أهلها وأقفرت منازلها فأضرموا النار في بيوتها ومساجدها وتولى كبر ذلك صاحب سيس والأرمن وبلغهم وصول السلطان إلى غزة فأجفلوا راجعين إلى بلادهم وعاد السلطان إلى مصر بعد أن جرد العساكر إلى حمص وبلاد السواحل بحمايتها من الأفرنج ورجع سنقر الأشقر إلى صهيون وفارقه كثير من عسكره فلحقوا بالشام وأقام معه سنجر الدوادار وعز الدين اردين والأمراء الذين مكنوه من قلاع الشام عند انتقاضه والله سبحانه وتعالى أعلم.